تخطي للذهاب إلى المحتوى

الطفل والقانون

الطفل والقانون: كيف نرسم لهم طريقًا آمنًا بالوعي بحقوقهم؟ - فاطمة العالي

الطفل والقانون: كيف نرسم لهم طريقًا آمنًا بالوعي بحقوقهم؟

 

رغم ما حققته المجتمعات العربية من تطورات في مجال حماية الطفولة، ألا إنه لا يزال هناك قصوراً واضحاً في نشر الوعي القانوني بين الأطفال أنفسهم. فالطفل، وإن كان محاطًا بعدد من القوانين والتشريعات التي تهدف إلى ضمان سلامته وكرامته، غالبًا ما يجهل طبيعة هذه الحقوق وحدودها، والجهات التي تكفلها له. وهنا تظهر فجوة كبيرة بين وجود النص القانوني وواقع التطبيق والمعرفة.

اليوم، ينشأ الكثير من الأطفال وهم يجهلون أنهم يتمتعون بحماية قانونية شاملة، تمتد من حقهم في العيش بكرامة والحصول على الرعاية الصحية، وصولاً إلى حمايتهم من العنف والإهمال وسوء المعاملة. هذا الجهل لا يرتبط بعدم وجود قوانين واضحة، بل بتقصير ملحوظ من جانب الجهات المعنية المعنية، سواء كانت الأسرة، أو المدرسة، أو وسائل الإعلام، في تبسيط المفاهيم القانونية وتقديمها بلغة تناسب إدراك الطفل، بما يضمن له الوعي بحقوقه وحمايتها.

ووفقًا لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989، فإن الطفل يتمتع بحقوق أساسية تشمل الحق في الحماية، والحق في التعبير، والحق في التعليم والرعاية الصحية، ومع ذلك تبقى هذه الحقوق في كثيرٍ من الأحيان حبيسة الوثائق، ما لم تتوفر الإرادة المجتمعية الجادة لتفحويلها إلى واقع ملموس يضمن تمتع الاطفال بها بشكل فعلي.

القانون لا يُخيف.. بل يُرشد

إن من الخطأ أن يُنظر إلى القانون كأداة للعقاب فقط عند الحديث مع الطفل، بل يجب أن يكون القانون وسيلة  للحماية والإرشاد، تمنحه شعورًا بالأمان بدلاً من الخوف. وهنا يظهر الدور المهم للمربين والمعلمين في تعزيز ثقافة الحقوق لدى الأطفال بطريقة تربوية توازن بين التعليم والمسؤولية. فتعريف الطفل بحقوقه لا يعني تحفيزه على التمرد، بل هو فرصة لتعليمه كيف يفهم ذاته، ويحترم الآخرين، ويعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات.

تُشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن الأطفال الذين يكونون على وعي بحقوقهم منذ سن مبكرة يصبحون أكثر قدرة على التعبير عن احتياجاتهم، والوقوف في وجه الانتهاكات، والمطالبة بالحماية القانونية عندما تستدعي الحاجة.

للأسف، من أكثر المشاهد تكراراً وأشدها إيلاماً أن يتعرض الطفل لسوء معاملة أو انتهاك لحقه، ثم يصمت ظناً منه أن ما حدث هو "أمر طبيعي"، أو لعدم معرفته بأن له الحق في الاعتراض واللجوء إلى من يحميه. هذا الصمت لا يُعد مجرد غفلة أو موقفاً سلبياً، بل هو نتيجة حتمية لغياب التثقيف القانوني المبكر، الذي يجب أن يكون جزءاً أساسياً من التربية الشاملة، وليس أمراً نخبوياً خاصاً بالمحامين أو الخبراء.

وتؤكد اللجنة الدولية لحقوق الطفل أن الأطفال في المجتمعات النامية على وجه الخصوص، يعانون من قلة الوعي بحقوقهم الأساسية، مما يجعلهم عرضة للعنف أو الاستغلال، دون أن يطلبوا المساعدة أو يعرفوا إلى من يتوجهون.

لسنا بحاجة فقط إلى منظومة قوانين تحمي الطفل، بل إلى ثقافة قانونية مجتمعية، تبدأ من حكاية تُروى، أو نشاط مدرسي بسيط، أو درس تفاعلي. الطفل حين يُعرّف بحقوقه بأسلوب يناسب عمره، سيتعلّم أن احترام الآخر لا ينفصل عن احترام الذات، وأن العدالة تبدأ من أصغر المواقف اليومية.

ويُعد إدماج مفاهيم حقوق الطفل في المناهج الدراسية والمحتوى الإعلامي الموجه للأطفال من أبرز التوصيات التي تطرحها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل، بهدف تحويل القانون من مجرد نصوص جامدة إلى ثقافة حية تنبض في حياة الأطفال.

إن رفع مستوى وعي الطفل بحقوقه لا يُعد ترفًا فكريًا أو خيارًا تربويًا، بل هو ضرورة إنسانية وقانونية تساهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً وتماسكًا. فالطفل الذي يع حقوقه اليوم، هو المواطن الذي سيدافع عن حقوق غيره غدًا، ويؤمن بأن القانون ليس مجرد سلطة، بل أداة لحماية الكرامة الإنسانية.

 

تسجيل الدخول حتى تترك تعليقاً
خريجو القانون بين الحُلم والواقع
فاطمة العالي