Skip to Content

الثقافة المالية: مفتاح النجاح الاقتصادي والرفاه المجتمعي

علي محمد الذوادي – جامعة البحرين


تُعد الثقافة المالية مھارة أساسیة في الاقتصاد الحدیث، ولا غنى عنھا لتحقیق النجاح الاقتصادي والرفاه المجتمعي. فمع تعقّد الاقتصاد العالمي وتزاید ترابطھ، أصبحت القدرة على فھم الشؤون المالیة الشخصیة وإدارتھا بفعالیة أمرًا بالغ الأھمیة.

وعلى الرغم من أھمیة ھذه المھارة، إلا أن ضعف الثقافة المالیة لا یزال یشكّل تحدیًا كبیرًا للعدید من الأفراد، مما ینعكس سلبًا على الأوضاع الاقتصادیة الشخصیة وعلى الاقتصاد ككل.

یتمیّز الاقتصاد الحدیث بتنوّع متزاید في المنتجات والخدمات المالیة، بدءًا من الحسابات البنكیة التقلیدیة إلى القروض، ووصولاً إلى الخیارات الاستثماریة المعقّدة والعملات الرقمیة. ومع تطوّر الأسواق المالیة واتساعھا، بات من الضروري أن یمتلك الأفراد القدرة على التنقل بین ھذه الخیارات المعقدة لاتخاذ قرارات مالیة مدروسة تتماشى مع أھدافھم وظروفھم الشخصیة.

تبرز أھمیة الثقافة المالیة، والتي تعني الإلمام بالمفاھیم المالیة المختلفة والقدرة على استخدامھا لاتخاذ قرارات مالیة سلیمة.

ولا تقتصر أھمیة الثقافة المالیة على المستوى الشخصي فحسب، بل تتعداھا لتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العام. فحین یمتلك الأفراد المھارات والمعرفة الكافیة لاتخاذ قرارات مالیة واعیة، یصبحون أكثر قدرة على حمایة أصولھم، واستثمار أموالھم بحكمة، وتجنّب الوقوع في المشكلات المالیة. وھذا بدوره یعزز استقرار الاقتصاد ویؤدي إلى ازدھاره.

ومن أبرز الأسباب التي تجعل الثقافة المالیة ضروریة:

  1. تشجیع الاقتراض المسؤول والحد من التورط في الدیون المفرطة:
    عندما یدرك الأفراد تبعات الاقتراض وتكالیف القروض، یصبحون أكثر وعیًا في تحدید توقیت الاقتراض وحجمه. وھذا یسھم في تقلیل معدلات الدیون غیر المستدامة التي قد تؤدي إلى ضغوط مالیة أو حتى الإفلاس، كما حدث في أزمة 2008 بسبب الرھون العقاریة.
  2. اتخاذ قرارات استثماریة مدروسة:
    تساعد الثقافة المالیة الأفراد على تنویع استثماراتھم والتقلیل من المخاطر، مما یدعم استقرار الأسواق ویحفّز النمو الاقتصادي على المدى الطویل. كما یؤدي وجود مستھلكین واعین إلى تطویر القطاع المالي ومنتجاته وخدماته.
  3. التخطیط السلیم للتقاعد:
    في ظل التحدیات المتزایدة التي تواجھ أنظمة الضمان الاجتماعي، یصبح من الضروري أن یتحمل الأفراد مسؤولیة التخطیط لمستقبلھم المالي بعد التقاعد. ومن خلال الثقافة المالیة یمكنھم اتخاذ قرارات مدروسة بشأن الادخار والاستثمار، مما یقلل من اعتمادھم على برامج الدعم الحكومي ویخفف العبء عن القطاع العام.
  4. تعزیز الشمول المالي والتنقّل الاجتماعي:
    عندما یكون الأفراد قادرین على إدارة شؤونھم المالیة بفعالیة، یصبحون أكثر قدرة على الانخراط في النظام المالي الرسمي، والحصول على التمویل، وبناء الثروة. وھذا یعزز فرص النمو الشخصي ویقلل من الفجوة في الدخل، ما ینعكس إیجابًا على الاقتصاد العام.

ورغم كل ھذه الفوائد، لا تزال الثقافة المالیة غائبة عن قطاعات واسعة من المجتمع. فقد أظھرت دراسة لمنظمة التعاون والتنمیة الاقتصادي (OECD) أن نسبة كبیرة من البالغین في الدول المتقدمة تفتقر إلى المعرفة المالیة الأساسیة، مع تسجیل نسب أكبر بین الشباب، وذوي الدخل المنخفض، والنساء.

ولمعالجة ھذا التحدي، یجب على الحكومات، والمؤسسات التعلیمیة، والمنظمات الخاصة التعاون لتعزیز الثقافة المالیة عبر قنوات متعددة. ویجب تضمین التثقیف المالي في المناھج الدراسیة منذ المراحل المبكرة، كما یجب على المؤسسات المالیة توفیر موارد فھم سھلة تساعد المستھلكین على فھم المنتجات والخدمات المالیة المختلفة.

في الختام، تُعد الثقافة المالیة مھارة لا غنى عنھا في ظل اقتصاد عالمي یتصف بالتعقید والتطور المستمر. ویقع على عاتق جمیع الأطراف المعنیة – حكومات، مؤسسات تعلیمیة، وجھات خاصة – مسؤولیة الاستثمار في التثقیف المالي لضمان مستقبل اقتصادي أفضل للجمیع.

Sign in to leave a comment
تحقيق صحفي
29/4/2025